بدأ دوستويفسكي كتابة قصة «الجارة» في خريف عام 1846. وقد أرسل إلى أخيه يقول له أيامئذ: لسوف تكون هذه القصة الجديدة خيرًا من رواية «الفقراء». هي من ذلك النوع نفسه، وإنما يقود قلمي في كتابتها إلهام ينبع من النفس رأسًا، فلست أعاني في كتابتها من العناء ما عانيته في كتابة قصة «بروخارتشين» التي أرهقتني طوال الصيف. فلما نُشرت القصة، كان بيلنسكي قد أصبح لا يطيق أي أدب يخرج عن نطاق الواقعية ذات الاتجاه الاجتماعي، لذلك لم يستطع أن يفهم شيئًا من جمال هذه القصة الرومانسية التي تختلف في حقيقة الأمر اختلافًا كبيرًا عن رواية «الفقراء». والحق أن القصة وهي على جانب عظيم من الجمال. أول قصة يصور فيها دوستويفسكي شخصية «حالم». أوردينوف فتى مثقف منفصل عن المجتمع، منحبس في عالم فكره الخيالي وأحلامه الكثيرة، عاكف على كتابة تاريخ للكنيسة. إن هذه السمة الأخيرة فيه تربطه بالشاب الرومانسي شدلوفسكي الذي كان دوستويفسكي صديق صباه. وهو إلى ذلك فتى شديد الحماسة تنتابه في بعض الأحيان نوبات صرع. هذه أول مرة يصف فيها دوستويفسكي مرضه هو. والاحساسات الحادة التي كان يشعر بها. إن أوردينوف إنسان منعزل، تفيض نفسه أهواء مكبوتة لا تنتظر إلا أن تنبجس من قلبه طافحةً. عارمة فها هو ذا يتوله بجارته الجميلة التي استأجر في بيتها غرفة والتي لا يعرف أهي ابنة الذي تعيش معه أم هي زوجته، وهو شيخ يشبه أن يكون لغزا، وتوافيه نوبات صرع هو أيضًا والقصة كلها تجري في جو هو إلى الحلم منه إلى اليقظة.... في جو لا يكاد يستطيع البطل أن يميّز فيه أقرب منه بين أحلامه وبين العالم الواقعي.